مر عام كامل منذ توقيع مبادرة “ممر الهند والشرق الأوسط وأوروبا الاقتصادي” خلال قمة مجموعة العشرين في دلهي، وهي المبادرة التي وُصفت بأنها خطوة مهمة لتعزيز التكامل الاقتصادي بين جنوب آسيا، الشرق الأوسط وأوروبا. تهدف المبادرة إلى تسهيل حركة التجارة والاستثمار بين هذه المناطق عبر إنشاء ممر اقتصادي يمتد من الهند إلى البحر المتوسط، مروراً بالخليج العربي، في خطوة تمثل تحولاً كبيراً في الجغرافيا الاقتصادية العالمية.
وتشكل هذه المبادرة حلقة وصل جغرافية مهمة تربط بين المحيطين الهندي والهادئ والبحر المتوسط، مما يعزز دورها كجسر اقتصادي محوري لحركة البضائع، الطاقة والخدمات بين آسيا وأوروبا. الهدف الرئيسي من المبادرة هو تقليل تكاليف النقل وزيادة الكفاءة في سلاسل الإمداد العالمية، مما يوفر طرقاً بديلة وأكثر موثوقية لحركة التجارة، بعيداً عن الاعتماد الكامل على الطرق التقليدية مثل قناة السويس.
لكن هذا المشروع لا يقتصر فقط على التجارة، بل يهدف أيضاً إلى تعزيز العلاقات السياسية والاقتصادية بين الهند، الشرق الأوسط وأوروبا، مما يساهم في تحقيق الاستقرار الإقليمي والمرونة الاقتصادية. ومع ذلك، فإن الصراعات الجيو-سياسية في المنطقة، خاصة في الشرق الأوسط، تلقي بظلالها على تطلعات هذا المشروع الطموح.
وشهدت المبادرة تقدماً ملحوظاً في تعزيز العلاقات الاقتصادية الثنائية بين بعض الدول المشاركة. فقد وقعت الهند والإمارات العربية المتحدة، في عام 2022، اتفاقية شراكة اقتصادية شاملة تستهدف رفع حجم التبادل التجاري بين البلدين إلى 100 مليار دولار سنوياً بحلول عام 2027. بالفعل، شهد حجم التبادل التجاري بين البلدين نمواً بنسبة 16.4% ليصل إلى 83.64 مليار دولار هذا العام، مما يجعل الإمارات ثالث أكبر شريك تجاري للهند بعد الصين والولايات المتحدة.
وعلى غرار ذلك، زادت العلاقات الاقتصادية بين الهند والسعودية بشكل ملحوظ، حيث تجاوز حجم التبادل التجاري بين البلدين 50 مليار دولار سنوياً، وأصبحت السعودية رابع أكبر شريك تجاري للهند. تعهدت الرياض باستثمار 20 مليار دولار في مشاريع البنية التحتية، مثل الطرق والسكك الحديدية، لتعزيز هذا الممر التجاري ودعم دوره الحيوي في تحقيق النجاح.
ورغم التقدم الكبير في بعض جوانب المبادرة، إلا أن الصراعات الجيو-سياسية في المنطقة تعرقل مسيرتها. الحرب المستمرة في قطاع غزة، والتوترات المتزايدة بين إسرائيل وكل من إيران وحزب الله في لبنان، بالإضافة إلى هجمات جماعة الحوثيين في اليمن على السفن المرتبطة بإسرائيل في مضيق باب المندب، كلها تمثل تحديات كبيرة أمام تحقيق استقرار مستدام في المنطقة.
إضافة إلى ذلك، تعتمد التجارة بين الهند والبحر المتوسط بشكل كبير على قناة السويس، وهو ما يمثل نقطة ضعف، حيث تبرز الحاجة إلى تنويع مسارات التجارة لتجنب الاعتماد الكلي على ممر واحد. هنا يأتي دور الممر الاقتصادي الجديد، الذي يسعى لربط دول الخليج بالأردن وإسرائيل عبر المملكة العربية السعودية، وصولاً إلى البحر المتوسط. علاوة على ذلك، فإن تركيا والعراق تعملان على تطوير خطط لإقامة طرق برية جديدة تربط بين الخليج وأوروبا عبر منطقة الأناضول.
ويرى الخبراء أن ممر الهند والشرق الأوسط وأوروبا يمثل فرصة فريدة لتعزيز التعاون متعدد الأطراف، خاصة أن المبادرة تضم 8 دول من مجموعة العشرين الكبرى، بينها الهند، الإمارات، السعودية، وإيطاليا، إلى جانب فرنسا وألمانيا والولايات المتحدة. الدعم الدبلوماسي والاقتصادي القوي من الولايات المتحدة يعزز فرص نجاح هذا المشروع، خاصة أنه يربط بين المناطق الحرة والمفتوحة في المحيطين الهندي والهادئ والبحر المتوسط.
ومع ذلك، فإن التوترات الإقليمية تمثل عقبة كبيرة. لتحقيق النجاح على المدى الطويل، يجب على الولايات المتحدة وأوروبا إعطاء الأولوية لهذه المبادرة في أي مفاوضات سلام في المنطقة. علاوة على ذلك، يتعين على دول المنطقة العمل بشكل تدريجي لتحقيق الاستقرار من خلال تعزيز التعاون الاقتصادي والاعتماد المتبادل.
وبعد مرور عام على إطلاقها، تبدو مبادرة ممر الهند والشرق الأوسط وأوروبا الاقتصادي كخطوة واعدة نحو تعزيز التكامل الاقتصادي العالمي. وعلى الرغم من التحديات التي تواجهها، فإن الإمكانات الاقتصادية والسياسية التي تحملها هذه المبادرة تجعلها واحدة من أهم المبادرات الجيو-سياسية في القرن الحالي. تحتاج الدول المشاركة إلى تضافر جهودها للتغلب على التوترات الإقليمية، والعمل على تحقيق الاستقرار والازدهار عبر هذا الممر الاقتصادي المحوري.
