أخبار عاجلة
آبل تطلق النسخة التجريبية العامة من تحديث iOS 18.1 -
موعد صلاة الجمعة في المحافظات اليوم -

مغامرات "قطة سوزوكي".. حكاية خفيفة على اللسان ثقيلة في الميزان

مغامرات "قطة سوزوكي".. حكاية خفيفة على اللسان ثقيلة في الميزان
مغامرات "قطة سوزوكي".. حكاية خفيفة على اللسان ثقيلة في الميزان

1

إنها حكاية “القطة التي أنقذت الكتب” للكاتب الياباني سوزوكي ناتسوكاوا، تميزت بأسلوبها السردي الفريد وأبعادها الفلسفية العميقة؛ لذلك، لاقت استحسانًا واسعًا بين القراء ونقاد الأدب، وأثارت الانتباه بما تحمله من معانٍ ورؤى مكنتها من أن تحظى بمكانة متميزة في المشهد الأدبي العالمي.

تتمحور أحداث الرواية حول رينتارو ناتسوكي، فتى يتيم يعيش مع جده الذي يدير مكتبة صغيرة في مدينة هادئة. وبعد وفاته، يجد رينتارو نفسه وحيدًا ومسؤولًا عن المكتبة المتخصصة في بيع الكتب القديمة. في أحد الأيام، يكتشف وجود قطة تتحدث تُدعى تيغرو؛ تظهر القطة فجأة وتطلب منه مساعدتها في إنقاذ الكتب التي طواها الإهمال والنسيان.

تصحب القطة رينتارو في سلسلة من المغامرات عبر أربع متاهات، مواجها تحديات متعددة حول الكتب وطرق التعامل معها. تكشف كل مغامرة عن رسالة عميقة حول مكانة الأدب ودوره الجوهري في حياتنا. يلتقي رينتارو بشخصيات تجسد جوانب مختلفة من علاقتنا بالكتب، بدءًا من الجشع مرورا بالإهمال، وصولاً إلى الحب الصادق. لذلك، تعكس هذه المغامرات فكرة محورية عن الكتب باعتبارها وسيلة للتعليم والتثقيف، ومصدرًا أصيلًا للمعرفة، وكنوزًا للحكمة الإنسانية.

2

لماذا عَنْونَ سوزوكي ناتسوكاوا فصول روايته” القطة التي أنقذت الكتب” بالمتاهات؟ يحمل هذا الاختيار العديد من الدلالات التي ترتبط بمفهوم التحدي والبحث عن المعنى. ترمز المتاهة، في هذا السياق، إلى رحلة مليئة بتشعبات تستدعي التفكير والتأمل. بإمكاني تلخيص أبرزها فيما يلي:

رحلة الإنسان نحو أعماق ذاته: تُجسد المتاهة سبيلا لاستكشاف الإنسان لهويته وفهم العالم من حوله. وعادة ما يُطرح هذا التساؤل أيضا في الأدب: كيف يمكن للإنسان أن يكتشف معنى حياته، وهل بإمكانه أن يحدّد مَسَارها؟

الأدب بوصفه أفقا للتفكير: تبرز المتاهة في الرواية بوصفها اختبارًا لقدرات رينتارو وبقية الشخصيات. لذلك فهي بمواقفها لا تقدّم إجابات جاهزة، بل تفتح أبوابًا لعوالم معقدة تحفز فضول القارئ. ليست الكتب مجرد منابع للمعرفة، إنها آفاق فكرية تتطلب من القارئ أن يضِلّ طريقه أحيانًا ليجد المعنى الأقرب إلى الحقيقة.

التحرر من البساطة: تعكس المتاهة الانفصال عن عالم بسيط ينظر إلى الكتب باعتبارها سلعة. باختيار المتاهة عنوانا لفصول الرواية، يكون على رينتارو أن يعانق أفقا فكريا يعيد من خلاله إعادة تقدير القيم الحقيقية للأدب؛ فالمتاهة، بهذا المعنى، مسار ذهني يفتح أبواب التحرر من المفاهيم التقليدية للقراءة وللأدب.

التناظر بين الفوضى والنظام: تمثل المتاهة رمزًا للفوضى التي تستدعي التنظيم. وعلى هذا النحو، تقدم كل متاهة في الرواية درسًا في كيفية تنظيم المعرفة وتوجيه الفوضى نحو إدراك أعمق وأسمى للمعارف والتجارب.

الفقدان والبحث عن الانتماء: ترمز المتاهة إلى الشعور بالفقد والبحث عن الانتماء. لذلك، يجد رينتارو نفسه، بعد وفاة جده، في حالة ضياع، وتشكل المتاهات رحلة بحث عن جدوى ودور الكتب في حياته.

تعدد المسارات والاحتمالات: تعبر المتاهة بتشعباتها عن طبيعة الحياة والخيارات التي نواجهها. كل قرار وكل طريق يمكن أن يؤدي إلى نهاية مختلفة، وهو ما يعكسه الأدب من خلال تنوع التأويلات والقراءات، حيث لا يوجد مسار واحد لفهم النصوص. بهذا المعنى، تمثل المتاهات احتمالات لا نهائية لتمثّل المعرفة.

3

بلتقي رينتارو وتيغرو في المتاهة الأولى رجل أعمال يمتلك مكتبة ضخمة، ولكنه يجمع الكتب فقط لمظهرها الفاخر وقيمتها المالية. يذهبان إلى مكتبة الرجل، حيث يجدان الكتب محبوسة في رفوف – أقفاص، كأنها طيور نادرة تُعرض فقط لجمالها الخارجي دون أن تُقرأ. يتعلم رينتارو من هذه التجربة أن الكتب ليست مجرد سلعة مادية، بل هي نوافذ مشرعة على عوالم أخرى، تحمل في طياتها المعرفة والعواطف وتجارب الإنسان.

ويصادفان في المتاهة الثانية طالبًا مجتهدًا يقرأ الكتب باستمرار، لكنه لا يتفاعل معها نقديًا. في مكتبة الطالب، تتراكم الكتب غير المقروءة. يتعلم رينتارو من هذه التجربة أن القراءة ليست عملية ميكانيكية، بل هي نشاط يتطلب تفاعلًا نقديًا وفهمًا عميقًا، ويدرك أن الكتب يجب أن تُقرأ بتمعّن وتدبّر.

بينما يقابل رينتارو وتيغرو في المتاهة الثالثة رجلًا منعزلًا يعيش في غرفة مليئة بالكتب، رافضًا مشاركة معرفته مع الآخرين. يمثل هذا الرجل نموذجا لمن يظن أن المعرفة يجب أن تظل حكرًا على مالكها، الأمر الذي يؤدي إلى عزلة الأفراد فكريا واجتماعيا. يحاول رينتارو وتيغرو إقناع الرجل بأن القيمة الحقيقية للمعرفة تكمن في مشاركتها، وأن الكتب ليست وسائل للقراءة الفردية، بل إنها أيضًا قنوات للتواصل الإنساني وتبادل الأفكار.

وفي المتاهة الرابعة، يواجه رينتارو تحديًا أكبر مع معلم قديم يعتقد أن الكتب قد فقدت قيمتها في العصر الحديث. هكذا، يجد رينتارو نفسه مضطرًا لإثبات أن الكتب لا تزال قادرة على إحداث تأثير إيجابي وتغيير حياة الأفراد، حتى في زمن التكنولوجيا الرقمية. يتعلم رينتارو من خلال هذه التجربة أن الأدب يحمل قيمة خالدة تتجاوز حدود الزمان والمكان، وأن الكتب يمكن أن تكون مصدر إلهام للأجيال الجديدة.

4

بعد اجتيازه للمتاهات الأربعة بمختلف تحدياتها، يعود رينتارو إلى مكتبته الصغيرة التي ورثها عن جده. كانت المكتبة في البداية ملاذًا للحزن والانطواء، وأصبحت اليوم في نظره رمزًا للأمل والتجدد. يكتشف رينتارو أن المكتبة ليست مجرد مكان لبيع الكتب، بل هي قلب نابض للمعرفة والتواصل الإنساني وتفاعل الأرواح.

في الفصل الختامي من الرواية، تظهر القطة تيغرو من خلال حوار مؤثر مع رينتارو، وقد أصبح مقتنعًا تمامًا بأن الكتب ستظل دائمًا مصدرًا للإلهام والنباهة.

لأجل ذلك، قرر إعادة فتح مكتبة جدّه مرحّبا بالجميع مشجعًا إياهمْ على قراءة الكتب، ينظم الفعاليات الثقافية وورش عمل مخصصة للقراءة؛ هكذا، تتحول المكتبة إلى فضاء نابض بالحياة، محفز على تبادل المعرفة وتجارب القراءة.

تختفي تيغرو، القطة الحكيمة، تاركةً رينتارو يواصل مهمته بمفرده، ومما خبَرهُ من تجارب المتاهات.

رواية “القطة التي أنقذَت الكُتب” أخاذة وآسرة، يعيد من خلالها سوزوكي ناتسوكاوا اكتشاف عمق الأدب وجدواه باعتباره وسيلة قادرة على تغيير رؤيتنا للعالم؛ إنها أيضا نقدٌ اجتماعيٌ ضمنيّ للمجتمعات الاستهلاكية التي تهمّش قيمة المعرفة لصالح الترفيه السريع، الأمر الذي يعلي من قيمة الأدب والقراءة في زمننا المعاصر.

لنتأمل؛

وإلى حديث آخر.

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى

السابق حبس فنان شهير بعد ظهور أدلة جديدة على ارتكابه جرائم أخلاقية
التالى عالم أزهري يوضح السبب وراء تأخر دفن النبي صل الله عليه وسلم