أخبار عاجلة
موعد صلاة الجمعة في المحافظات اليوم -

التأويل أم الجمود؟ أدُونيس يقدم رؤية نقدية لمسألة العنف في التاريخ الإسلامي

التأويل أم الجمود؟ أدُونيس يقدم رؤية نقدية لمسألة العنف في التاريخ الإسلامي
التأويل أم الجمود؟ أدُونيس يقدم رؤية نقدية لمسألة العنف في التاريخ الإسلامي

1

تعتبرُ حوارات الباحثة حورية عبد الواحد مع أدونيس في كتاب “العنف والإسلام” منشورات Seuil 2015 قراءة نقدية لمسألة العنف في التاريخ الإسلامي. يعيد أدونيس، من خلال هذه الحوارات، النظر في التراث العربي والإسلامي مسلطًا الضوء على إشكالية العنف، ساعيًا إلى تفكيك وتأمُّل جذوره بشكل نقدي وشامل.

ما هي الطريقة المثلى لإعادة قراءة التاريخ الإسلامي في ضوء هذا المعطى؟

يُمثّل هذا السؤال العمود الفقري لهذه الحوارات، ويُعدّ مدخلًا رئيسيًا لفهم أطروحته المحورية. يبرز في البداية سؤال آخر لا يقلّ أهمية:

كيف أسهمت الهيمنة السياسية والدينية عبر التاريخ الإسلامي في تطبيع استخدام العنف باعتباره وسيلة للحكم وبسط السيطرة؟

ينطلق تحليلي من الربط الذي يُقدمه أدونيس في عنوان الكتاب بين العنف والإسلام، حيث يُبرز في إجاباته مجموعة من المؤشرات التاريخية التي تكشف عن اعتماد الخلافة الإسلامية، في مراحل مختلفة، على العنف لتثبيت سلطتها. هذا التحول جعل من الدين وسيلة لتبرير العنف السياسي. عند تفكيك هذه الرؤية بعمق، يظهر أن العنف أصبح عنصراً محورياً في بناء السلطة السياسية في التاريخ الإسلامي، مما يثير تساؤلات حول توظيف الدين لخدمة المصالح السياسية. يستند أدونيس في قراءته النقدية إلى وقائع تاريخية معروفة، مثل مقتل عثمان بن عفان، وحروب الردة، وحرب الجمل، والفتنة الكبرى بين علي ومعاوية. يرى أدونيس من خلال هذه الوقائع، أن الإسلام السياسي نشأ في سياق عنف وصراع على السلطة، وليس من أرضية التوافق الروحي والأخلاقي.

من هنا، يتبين سبب دعوة أدونيس إلى التحرر من النظرة التقليدية التي تُمجِّد فترة الخلافة وتعتبرها رمزًا للعدالة المثلى. فهو يشير إلى أن هذا التاريخ كان مفعمًا بالصراعات والانقسامات الدموية، مستندًا إلى الحروب التي ذُكرت سابقًا بوصفها أمثلة واضحة على العنف الذي شهده النظام السياسي الإسلامي في فترات معينة من تاريخه.

ينتقد أدونيس في حواراته العلاقة بين الدين والمؤسسة الدينية، مؤكدًا أن المشكلة لا تكمن في الدين ذاته، بل في استخدام النصوص الدينية لتبرير العنف والهيمنة السياسية. يدافع أدونيس في بعض مقاطع الحوار عن الفكرة الأساسية القائلة بأن الإسلام يحمل رسائل روحية وأخلاقية نبيلة في جوهره. ومع ذلك، تقوم بعض المؤسسات الدينية الرسمية بتشويه هذه الرسائل وتحريفها لتلبية أغراض سياسية.

2

ليس العنف جزءًا جوهريًا من الإسلام، ولكنه يمكن أن يصبح كذلك عندما تُستخدم النصوص الدينية لتلبية غايات سياسية؛ ليتحوَّل العنف في هذا السياق، إلى وسيلة للحفاظ على السلطة وتوسيعها، وليس تعبيرًا عن جوهر الدين. من هنا تبرز أهمية اعتماد قراءة تأويلية للنصوص الدينية بدلاً من التمسك بالتفسيرات الحرفية، إذ غالبًا ما يكون العنف الممارس باسم الدين نتيجة لتفسيرات ضيّقة ومتشددة تتجاهل السياقات التاريخية والثقافية التي نُزلت من أجلها هذه النصوص.

في ضوء هذا التصوّر، تتمثل إحدى أكبر الإشكاليات التي تواجه المجتمعات الإسلامية في الفجوة العميقة بين مفهوم الديمقراطية والممارسات السياسية القائمة، حيث غالبًا ما يُستخدم العنف باعتباره وسيلة لِقَمْع أي محاولة للتحرر أو التغيير. من هذا المنطلق، يرى أدونيس أن تحقيق الديمقراطية الحقيقية يستوجب فصل الدين عن السياسة، وهو الأمر الذي لم يتحقق في العديد من المجتمعات الإسلامية التي ما زالت تعتمد على الدين بوصفه مصدرا رئيسيا للشرعية السياسية.

3

قرأتُ حوارات أدونيس وتوصلتُ إلى استنتاج أولي:

غالبًا ما يكون العنف في أي مجتمع، سواء كان إسلاميًا أم غير إسلامي، نتيجة لغياب الحوار والانغلاق على الذات. يعكس التطرف، في كثير من الأحيان، خوفًا من الآخر ورغبة في حماية الهوية. ولذا، فإن التعددية واحترام الاختلاف هما السبيلان الرئيسيان لبناء مجتمعات أكثر تسامحًا وأقل عنفًا. ومع ذلك، تحتاج الثقافة الإسلامية اليوم، وربما أكثر من أي وقت مضى، إلى مراجعة جادة لقيم النقد والحوار، والتخلي عن تقديس بعض النصوص أو التقاليد وجعلها خارج نطاق أيّ جدل أو نقاش.

من هذا المنظور، يرى أدونيس أن النصوص الدينية، بما في ذلك القرآن والسنة، قد تعرضت لتفسيرات متعددة عبر التاريخ. ويشير إلى أن الفقهاء والمؤسسات الدينية استخدموا هذه النصوص لتأسيس سلطات غير قابلة للطعن، مما يجعلها “محتكرة للحقيقة” ومحصنة ضد أي نقد أو مساءلة. فغالبًا ما تعيق القداسة الممنوحة للنصوص أو للمؤسسات الدينية أي محاولة للتغيير أو الإصلاح. نتيجة لذلك، يجد العنف الذي يمارسه النظام السياسي باسم الدين شرعيتَهُ في تفسيرات حرفية وسلطوية لتلك النصوص.

لا أحد ينكر أن القراءة النقدية للنصوص الدينية الإسلامية تفتح المجال لاكتشاف معانٍ جديدة تجعلها متوافقة مع القيم الإنسانية الحديثة، مثل:

التسامح: من خلال تقبّل الاختلافات الثقافية والدينية والفكرية واحترام حقوق الآخرين.

المساواة: بمعاملة جميع الأفراد على قدم المساواة بغض النظر عن الجنس، أو العرق، أو الدين، أو الطبقة الاجتماعية.

الحرية: وتشمل حرية التعبير، وحرية الفكر، وحرية الاعتقاد.

العدالة: من خلال تحقيق الإنصاف في تطبيق القانون بطريقة عادلة وشفافة دون تمييز أو تفضيل.

الكرامة الإنسانية: الهادفة إلى تأكيد قيمة كل إنسان يستحق الاحترام بغض النظر عن خلفيته أو وضعه الاجتماعي.

التضامن: بتعزيز الشعور بالمسؤولية المشتركة بين الأفراد والمجتمعات، خاصة في مواجهة التحديات العالمية مثل الفقر والبيئة والصحة.

المسؤولية الاجتماعية: بتحمّل الأفراد والمؤسسات مسؤولية تأثيرهم على المجتمع، والمشاركة في تحسين الحياة العامة وتقديم المساعدة للفئات الأقل حظًا.

4

هل بتَبَنّي هذا النهج، يمكنُ تجاوزُ النزاعات العنيفة القائمة على الفهم الخاطئ للنصوص؟

التأويل مفتاحٌ للتخلص من العنف المرتبط بالدين؛ أيّ دين.

لذلك يتجدد فهمنا للإسلام باعتماد قراءة نقدية تستند على التأمل في مقاصد النصوص، بدلاً من الانصياع لتفسيرات متشددة تحدُّ من معانيها.

بهذا المعنى، يقدم أدونيس في كتابه “العنف والإسلام”، رؤية نقدية قابلة في جوهرها للنقد أحيانا، والدحض أحيانا أخرى، للعلاقة بين العنف والدين، حين يبرز التداخلات المُعقَّدة بين التاريخ والنصوص الدينية والسلطة السياسية.

بتحليله لممارسات العنف التي شهدتها المجتمعات الإسلامية خلال فترات معلومة من تاريخها، يسعى أدونيس إلى تفكيك الأساطير التَّقليدية التي تبرِّرُ العنف باسم الدين، ويشدِّد على ضرورة إعادة قراءة التراث الإسلامي من منظور نقديّ وتأْويلي.

ليس الإسلام، في جوهره، دينًا للعنف؛ ولا يمكنه أن يكون كذلك.

تعاليمه الأساسية تدعو إلى السلام، والعدالة، والتسامح.

وما نراه من مظاهر للعنف يرتبط غالبًا بسوء استخدام النصوص الدينية أو تفسيرها بشكل غير دقيق أو خاطئ، فضلاً عن الظروف السياسية والاجتماعية التي قد تؤدي إلى ظهور مثل هذه الممارسات.

ليس النصّ الديني نصّا أدبيا أو ثقافيا عامّا، ولذلك فتأويله، حين يأخذ بالاعتبار قيم العصر الحديث، يلزم أن يتحمل مسؤوليته أهلُ العِلْم وأولي الألْباب.

لذا، يجب أن يبدأ أي إصلاح أو تجديد في المجتمعات الإسلامية بتحرير الدين من قبضة المؤسسات التي تستغله بوصفه وسيلة للهيمنة والسلطة. بالإضافة إلى ذلك، فإن نقد العنف المتجذر في التاريخ والنصوص لن يكون فعالاً إلا إذا استند إلى التأويل والحوار باعتبارهما أداتين رئيسيتين لبناء مجتمعات أكثر عدلاً وإنسانية.

بهذا المعنى، يقدّم أدونيس في كتابه “العنف والإسلام” قراءة نقدية للعلاقة بين النصوص التأسيسية للإسلام والعنف، داعيًا إلى إعادة التفكير في المنطلقات التي بُنيَت عليها الرؤية الإسلامية للإنسان والعالم؛ وهو بذلك لا يقتصر في تحليله على نقد التراث الإسلامي، بل يتَّسِع ليشمل الغرب أيضا، الذي ابتعدَ عن القيم الإنسانية والتنويرية التي شكلت جوهر مشروعه الحداثي.

تقدم حوارات أدونيس حول “العنف والإسلام” مقاربة نقدية تساعد على تفكيك التصورات السائدة حول الفكر الديني والمشروع الحداثي الغربي؛ كما أنها تعزز، في تقديري، أهمية تساؤلاته الفكرية، وتبرز كيف يمكن للفضول العقلي ومغامرات التأمل أن تسهم في تجديد الأفكار وإعادة صياغة طرائق تقبُّلها.

لنتأمل؛

وإلى حديث آخر.

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى

السابق التشكيل المتوقع للمصري في مباراة الهلال الليبي بالكونفيدرالية
التالى "طريق مازغان" تتوج مسيرة اجْماهري