أخبار عاجلة
أفضل أدعية الفجر يوم الجمعة.. ردده باستمرار -

كيفَ نَمُوتُ؟ .. تحليل طبي وفلسفي لرحلة الإنسان الأخيرة نحو الحياة الأبدية

كيفَ نَمُوتُ؟ .. تحليل طبي وفلسفي لرحلة الإنسان الأخيرة نحو الحياة الأبدية
كيفَ نَمُوتُ؟ .. تحليل طبي وفلسفي لرحلة الإنسان الأخيرة نحو الحياة الأبدية

1

يُعدُّ الموت من أعمق القضايا التي تثير التأمل في التجربة الإنسانية، إذ يستدعي فهمه استكشاف أبعاده الدينية، الفلسفية، والطبية، فهو يجمع بين رؤى مختلفة حول طبيعة الوجود وغاية الحياة، ليصبح بذلك نقطة تلاقٍ بين تساؤلات الإنسان عن المصير، ومعنى الحياة، والنهاية الحتْمية التي تَلِيهَا.

يُفهم الموت في مختلف الأديان على أنه مرحلة انتقالية نحو الوجود الأبدي. في الإسلام، يُنظر إلى الموت بوصفه بوابة للحياة الآخرة، حيث يخضع الإنسان للحساب بناءً على أعماله في الدنيا، ويُعتبر اختبارًا يعكس مدى ارتباطه بخالقه. أما في المسيحية، فيُعتبر الموت انتقالًا إلى الحياة الأبدية، حيث يتحقق الخلاص عبر الإيمان بالله والعمل الصالح، مما يجعل الفناء مرتبطًا بالوعد بالخلود.

ويُعتبر الموت من المنظور الطبي نهاية بيولوجية لجميع وظائف الجسم الأساسية، بما في ذلك توقف القلب والتنفس والنشاط الدماغي. لذا، تُعدُّ دراسة الموت من الناحية الطبية أمرًا ضروريًا لفهم كيفية التعامل مع التحديات الصحية التي ترافق نهاية الحياة، وتطوير استراتيجيات الرعاية التلطيفية التي تهدف إلى تخفيف الألم وتحسين جودة الحياة في مراحلها الأخيرة.

يحفلُ التراث العربي الإسلامي بالعديد من المؤلفات التي يصعب حصرها في هذا الحيز، يضاف إلى ذلك أدبيات فكرية وفلسفية في الثقافتين العربية والغربية ساهمت في تعميق النظر حول فكرة الموت؛ لنا أن نعيد قراءة “التذكرة في أحوال الموتى وأمور الآخرة” للإمام القرطبي الذي يعد من أبرز الأعمال التي تناولت موضوع الموت وأهوال يوم القيامة في الفكر الإسلامي معتمدًا في ذلك على النصوص القرآنية والأحاديث النبوي؛ وكتاب “الروح” لابن قيم الجوزية وتناوله للعديد من المسائل المتعلقة بالروح والموت، وأحوال البرزخ وما يطرأ على الإنسان بعد الموت؛ وكتاب “إحياء علوم الدين” للإمام أبو حامد الغزالي حين يخصص قسما هامًا من مؤلفه لموضوع الموت والآخرة؛ وابن رجب الحنبلي في كتابه “الموت والآخرة” بتناوله لمسألة الموت والآخرة في ضوء النصوص الإسلامية؛ و”الوصية الكبرى” لابن عربي وتناوله لفكرة الموت من منظور صوفي وفلسفي باعتباره جزءا من التجربة الروحية؛ أضيف لذلك “رسائل إخوان الصفا” واهتمامها بالعديد من المواضيع الفلسفية المرتبطة بالموت والآخرة؛ و”الدرة الفاخرة في كشف علوم الآخرة” ابن حجر العسقلاني واهتمامه أيضا بمسائل الموت وما يتعلق بأحوال الآخرة من الناحية الدينية، معتمدًا على الأدلة النقلية من القرآن والسن؛. كما تحفل – فضلا عن ذلك – الفلسفة الغربية بالعديد من النصوص- المعالم لسقراط وأفلاطون ونيتشه وكانط وفيتغنشتاين وهايدغر وسارتر وغيرهم.

2

في كتابه “كيف نموت؟”، يقودنا شروين نولاند إلى استكشاف عوالم الموت، متجاوزًا الأساطير والتصورات السائدة حول هذه اللحظة الحتمية. يُحلل نولاند عملية الموت من خلال منهج يجمع بين الرؤية العلمية والفلسفية، مستفيدًا من خبرته باعتباره طبيبا جراحا. يقدم الكتاب رؤية طبية دقيقة لمراحل الموت، ويتجاوزُ الجوانب الميكانيكية للوفاة ليغُوص في التأثيرات النفسية والعاطفية التي ترافق الانتقال من الحياةِ إلى المَوْت.

يَعتبرُ شروين نولاند أن الموت ليس عدواً يجبُ التغلبُ عليه، بل هو جزء لا يتجزأ من حياة الإنسان. بهذا الفهم، يفتح نولاند المجال للتفكير في كيفية تقبُّل النهاية بكرامة وبُعدٍ إنساني. لذلك، يُضمِّنُ كتابه العديد من القصص الواقعية التي استقاها من تجاربه مع مرضاه، مما يضيف عمقًا إنسانيًا لكل فصل من فصول هذا الكتاب. يسعى شروين نولاند، من خلال هذا العمل، للإجابة على سؤال: كيف يمكن للموت، رغم غُمُوضه وقَسْوته، أن يكون ذا مغزى وكرامة؟

يشرح شروين نولاند المراحل البيولوجية التي تسبق الموت من منظور طبي، مُركزًا على مجموعة من الأمراض مثل السرطان وأمراض القلب وفشل الأعضاء، والجلطات الدماغية، والشيخوخة، وكيفية تأثيرها على تدهْور الجسد وانهياره النهائي. وفقًا لهذا التحليل، لا يُعتبر الموت لحظة مُفاجئة، بل هو عملية تدريجية يتفكَّكُ خلالها نظام الجسم، ببطءٍ وألمٍ.

يُضفي شروين نولاند على تحليلاته بُعدًا فلسفيًا واضحًا كما أسلفتُ، حيث يُركّز على كيفية مواجهة الإنسان لموته الشخصي أو موت الآخرين، مشددًا على ضرورة التعامل مع الموت بوعي وإدراك عميقين. يهدف نولاند إلى أن يكون فهمنا لهذه اللحظة الحتمية جزءًا من تقبلنا الطبيعي لفكرة الفناء، وليس مجرد وسيلة للهرب منها.

في تنقّله بين الأبعاد البيولوجية والإنسانية للموت، يُعيد شروين نولاند تعريف مفهوم “الموت الجيّد”، بحيث لا يقتصرُ على التَّدخلات الطبية والتكنولوجيا الحديثة، بل يشمل أيضًا الراحة النفسية وحفظ الكرامة الإنسانية. يناقش نولاند من هذا المنطلق القضايا الأخلاقية المرتبطة بالتدخلات الطبية في المراحل الأخيرة من الحياة، متسائلًا عن جدوى إطالة الحياة باستخدام التكنولوجيا، وهل يتجاوز الأطباء أحيانًا حدودَهُم على حساب راحة المريض وكرامته، كما يتناول مسألة “الموت الرحيم” (euthanasia) وتأثيره على كلّ من المريض والطّبيب.

3

يقدمُ القرآن الكريم رؤية عميقة للموت بالانتقال من حياة الدنيا إلى حياة الآخرة. تؤكد الآيات القرآنية أن الحياة والموت خاضعان لحكمة إلهية، كما في قوله تعالى: “كُلُّ نَفۡس ذَآئِقَةُ ٱلۡمَوۡت” (آل عمران: 185)، مما يعكس حقيقة أن كل الكائنات الحية مصيرها الموت دون استثناء.

ليس الموت في الإسلام مجرد نهاية للحياة الدنيا، بل هو بداية لمرحلة أبدية يتحدد فيها مصير الإنسان وفقًا لأعماله وأفعاله. فالآخرة تشمل الجنة والنار، وهو ما يربط الموت بمفهوم الحساب العادل والجزاء الإلهي. يعزّز هذا الوعي بمصير الإنسان إحساسه بالمسؤولية الأخلاقية في الحياة الدنيا، إذ يصبح الموت انتقالًا إلى حياة أبدية، حيث يجد الإنسان نفسه إما في نعيم دائم أو عذاب مُستمر، بناءً على ما قدَّمَه في دنياه.

ويُعتبر الموت، في كلٍّ من التوراة والإنجيل، نتيجة للخطيئة الأصلية التي اقترفها آدم وحواء في الجنة، وبالتالي يتجاوز كونه ظاهرة بيولوجية إلى كونه عقابًا إلهيًا؛ يُعبَّرُ عن هذا العقاب في سفر التكوين بالقول: “لأنك تراب، وإلى التراب تعود” (تكوين 3:19)، وهو تعبير عن هشاشة الإنسان وفنائه نتيجة انفصاله عن إلَهِه. هكذا، يكتسب الموت في هذه النصوص بُعدًا أخلاقيًا وروحيًا يتجاوز حدود الحياة الجسدية، حيث يرتبط بعلاقة أعمق بين الإنسان وخالقه، وبفكرة الجزاء الإلهي.

ومع ذلك، يفتح الكتاب المقدس أبواب الأمل بالخلاص من الموت من خلال الإيمان بالله والتوبة. يُبرز العهد الجديد (الإنجيل) موت يَسُوع المسيح باعتباره فعلا تكفيريا يحرر البشرية من خطاياها، ويهيئ الطريق نحو الخلاص والقيامة. وتَحْمل القيامة هنا بُعدًا مزدوجًا، حرفيًا وروحيًا، حيث يعتقد المسيحيون أن المسيح، بموتِه وقيامته، قد انتصر على الموت. وهذا يمنح المؤمنين رجاءً في الحياة الأبدية بعد الموت، ويجعل من القيامة رمزًا للانتصار على الفناء والخطيئة.

4

لا يُعدُّ الموت في الكتب السماوية مجرد انقطاع للحياة الجسدية، بل يتصل جوهريًا بالروح، والأخلاق، والعدالة الإلهية. لهذا، يُشكل لحظةً حاسمة لفهم الحياة ومَعْناها، وفرصة للتأمل في غاية الوُجود. من هذا المنطلق، يبرزُ شروين نولاند في كتابه “كيف نموت؟” أهمية التَّمسُّك بالقيم الأخلاقية والروحانية، مُوضحًا كيف يمكن للموت أن يجسِّد في طياته الأمل والسَّكينة، بدلًا من أن يكون مصدرًا للخوف والرَّهْبة.

يصل بحث شروين نولاند إلى إشكالية جوهرية تتعلق بما يفرضه علينا التوقع العقلاني من قبول أن حياتنا على الأرض يجب أن تكون محددة بحدودٍ تتماشى مع ضرورة استمرار النوع البشري. ذلك أنّ الإنسان، وبما يتميز به من خصائص فريدة، يظلّ، في جوهره، جزءًا لا يتجزأ من النظام الإيكولوجي لمنبَعِ الحياة.

نموت كيْ يظل العالمُ على قيْد الحياة.

ليس الموتُ، في هذا السياق، مجردَ حدثٍ عابر، بل هو جزء من دورة الحياة التي تستحقّ التأمل.

مَنحنَا اللهُ الحياةَ مثل بَلايين الكائنات التي مهَّدت لنا الطريق، ثمّ مَاتَتْ من أجْلِنَا؛

سنرحلُ بدورنا ليُواصل الآخرون مَسيرتهم؛

من عاش بِكَرَامَةٍ، سيغادر الحياة أيضًا مُكرَّمًا.

لنتأمّل؛

وإلى حديث آخر.

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى

السابق موسم مع خيار الشراء.. الوحدة الإمارتي «يخطف» صفقة الزمالك المرتقبة
التالى قناة مفتوحة تنقل مباراة الزمالك والشرطة الكيني.. موعد اللقاء