أثار قرار الدكتور خالد عبد الغفار، نائب رئيس الوزراء ووزير الصحة، بشأن قواعد صرف الألبان المدعمة (شبيهة لبن الأم)، جدلاً واسعاً، خاصة وأنه حدد فئات معينة فقط يحق لها الحصول على اللبن المدعم دون غيرها. القرار الذي حمل رقم 485 لسنة 2024، نص على أن صرف الألبان المدعمة شبيهة لبن الأم يقتصر على أولاً: الأطفال الذين وُلدوا توأماً أو أكثر، بشرط أن يكفي كمية اللبن لكل طفل، وكذلك الحالات التي تشمل وفاة الأم أو إصابتها بأمراض مزمنة مثل الفشل الكلوي أو الكبدي، إضافة إلى الحالات التي تتطلب العلاج الكيميائي أو الإشعاعي.
تضمن القرار منح الألبان المدعمة للأمهات اللاتي يعانين من نوبات صرعية تؤثر على سلامة الطفل، أو للأمهات المصابات بأمراض نفسية أو عقلية شديدة، أو تلك المصابة بمرض نقص المناعة المكتسبة. ومن ضمن الشروط الأخرى، تم تحديد أن الأمهات اللاتي يتم حجزهن في العناية المركزة لمدة لا تقل عن ثلاثة أيام يمكنهن صرف الألبان المدعمة لأطفالهن، وفيما يتعلق بالمجموعة الثانية، نص القرار على صرف الألبان المدعمة لفترة زمنية محددة مع إعادة التقييم، تتضمن هذه الفئة الأمهات اللاتي يصبن بالدرن في أول أسبوعين من العلاج أو اللاتي يتلقين أدوية محددة.
شمل القرار المجموعة الثالثة، وهي فئة الأطفال "كريمي النسب"، الذين يحق لهم أيضاً الحصول على الألبان المدعمة وفقاً لهذه الشروط، في مادته الثانية، نص القرار على تشكيل لجنة تحت مسمى "لجنة دعم وتشجيع الرضاعة الطبيعية وتقييم استحقاق صرف الألبان شبيهة لبن الأم المدعمة"، وذلك في كل منطقة طبية أو إدارة صحية. وتتكون اللجنة من استشاري رضاعة، وأخصائي أطفال، وأخصائي نساء وتوليد، أو طبيب أسرة، أو طبيب بشري مدرب على أعمال حماية وتشجيع ودعم الرضاعة الطبيعية.
انتقادات للقرار
لكن القرار أثار اعتراضات من قبل بعض الجهات، التي اعتبرت أن الشروط الموضوعة قد تكون مجحفة بالنسبة لبعض الفئات الأخرى، خاصة وأنه لم يأخذ في اعتباره الحالات التي لا تنطبق عليها هذه الشروط ولكنهما في أمس الحاجة إلى اللبن المدعّم. وعقب صدور القرار الخاص بقواعد صرف الألبان المدعمة، أصدر المركز المصري للحق في الدواء بيانًا استنكر فيه القرار، مؤكدًا أن الشروط المقررة هي "مجحفة ومتعسفة". وأوضح المركز في بيانه أن وزارة الصحة كان من الأجدر بها أن تركز على معالجة فساد توزيع الألبان بدلاً من إصدار هذا القرار الذي لم يراعِ الآلاف من الحالات التي تحتاج إلى الدعم.
أشار المركز إلى أن وزارة الصحة كان بإمكانها وضع هذه الشروط في مرحلة لاحقة، أي في المرحلة الثانية التي تبدأ من عمر عام، حيث يكون الرضيع قد بدأ في تناول طعامه التكاملي، بدلاً من وضعها في المرحلة الأولى التي تمتد من عمر يوم حتى 12 شهرًا، حيث يظل الرضيع يعتمد على اللبن كغذاءه الوحيد، وأعلن المركز أن مصر تستهلك أقل من 730 ألف عبوة من الألبان المدعمة من خلال أكثر من 1130 منفذًا، وذلك بعد إجراء 250 لجنة فحص. كما أشار إلى وجود 140 منفذًا تابعًا للتأمين الصحي يساهم في توزيع الألبان المدعمة.
وتساءل المركز المصري للحق في الدواء، كيف يمكن للسيدات اللاتي يخضعن لبرنامج "تكافل وكرامة" أو للنساء العاملات، وعددهن بالملايين، أن يتحملن تكلفة شراء من 4 إلى 6 عبوات من الألبان الصناعية شهريًا، والتي تتراوح تكلفتها من 1200 إلى 2000 جنيه. وأكد المركز في بيانه أن مصر سنويًا تستقبل حوالي مليون و400 ألف رضيع، وأغلب جمعيات الأطفال تؤكد أن ما بين 15% إلى 20% منهم فقط هم من يستحقون الألبان المدعمة. وأضاف المركز أن منظمة الصحة العالمية صنفت مصر ضمن 60 دولة من بين الأسوأ في تغذية الأطفال على مستوى العالم.
طالب المركز المسؤولين بإعادة النظر في هذا القرار الذي وصفه بالمتعسف، داعيًا إلى وضع شروط أكثر إنسانية وأخلاقية تضمن عدم حرمان مئات الآلاف من المواليد من حقهم في تناول وجبتهم الوحيدة على مدار عامين كاملين. وأكد المركز على أهمية تشجيع الرضاعة الطبيعية، ولكن مع مراعاة الظروف الإنسانية لهذه الفئات. كما وجه دعوته إلى مجالس الحماية المجتمعية للمرأة والطفل، ومجلسي النواب والشيوخ، لإعادة النظر في القرار الذي قد يكون له تأثيرات سلبية على الأطفال في حاجة إلى الرعاية.
الموقف الرسمي
ردًا على ذلك، وتعقيبًا على القرار، أكد الدكتور حسام عبد الغفار، المتحدث الرسمي لوزارة الصحة والسكان، أن منظمة الصحة العالمية وكافة المنظمات الصحية المعنية بالأطفال، سواء على المستوى الدولي أو المحلي، تؤكد على ضرورة الرضاعة الطبيعية كوسيلة وحيدة ومثلى لتغذية الأطفال. وأوضح المتحدث الرسمي أن الأصل في تغذية الأطفال هو الرضاعة الطبيعية، ولا ينبغي اللجوء إلى أي وسيلة أخرى إلا في حالات الضرورة التي تمنع الطفل من الحصول على حقه في الرضاعة الطبيعية. وأضاف أن الرضاعة الطبيعية هي الطريقة الأفضل لنمو الطفل بشكل صحي، فهي تساهم في الحفاظ على قدراته الذهنية والإدراكية، بالإضافة إلى تقوية جهازه المناعي وتقليل فرص إصابته بالأمراض.
وأشار إلى أن الحالات الضرورية التي لا يمكن فيها تغذية الطفل من خلال الرضاعة الطبيعية تشمل وفاة الأم، أو إصابة الأم بأمراض مزمنة مثل أمراض القلب والكلى، أو الأورام التي تستدعي العلاج الكيميائي. ولفت إلى أن هذه الحالات يمكن تحديدها من خلال الفحص الطبي. وأوضح أنه في هذه الحالات يمكن تغذية الطفل بألبان شبيهة لبن الأم أو ألبان صناعية خلال المرحلة الأولى والثانية من عمره، التي تشمل الفترة من يوم إلى 6 أشهر، ومن 6 أشهر إلى سنة. وفيما يتعلق بالنساء اللاتي يعانين من قلة إدرار اللبن في الفترة الأولى من الرضاعة الطبيعية، أكد الدكتور حسام عبد الغفار أنه لا ينبغي اللجوء بشكل فوري إلى الألبان البديلة إلا بعد استشارة الطبيب، واستنفاد كل الوسائل المتاحة لزيادة إدرار لبن الثدي.
وأعلن الدكتور حسام عبد الغفار أن وزارة الصحة والسكان تقوم بشكل دوري بتحديث البروتوكولات الخاصة بالاستخدامات العلاجية، وذلك للحفاظ على الصحة العامة وفقًا للمعلومات التي تثبتها الأبحاث العلمية. وأشار إلى أن هناك تغييرات قد حدثت في التوصيات المتعلقة بالرضاعة الطبيعية، حيث كانت هناك توصيات قديمة تنصح بعدم ممارسة الرضاعة الطبيعية للأمهات المصابات بالسكر أو ضغط الدم. ولكن الدراسات الحديثة أثبتت أن الرضاعة الطبيعية للأم المصابة بالسكر تساعدها في الحفاظ على معدلات السكر، وأن إرضاع الطفل لا يسبب أي ضرر لها.
أما فيما يخص منظومة ميكنة صرف الألبان بديلة الأم والألبان العلاجية، فقد أكد عبد الغفار أن هذه المنظومة تضمن عدالة التوزيع، بالإضافة إلى ضمان حصول المستحقين على الألبان بسهولة ويسر. كما لفت إلى أن المنظومة تساهم في متابعة سلاسل الإمداد وضمان توافر الألبان في أماكن الصرف. وأوضح أن الميكنة ستمنع الممارسات السلبية التي قد تحدث في نظام التوزيع، حيث أثبتت المتابعة أن بعض الأمهات تقوم بصرف اللبن لنفس الطفل من أكثر من مركز ووحدة رعاية أساسية في محافظات مختلفة. كما تبين استمرار صرف الألبان لعدد من الأطفال بعد وفاتهم، وهو ما تم اكتشافه بفضل النظام المميكن.