أخبار عاجلة

صرخة صامتة..

صرخة صامتة..
صرخة صامتة..

معاناة ذوي الإعاقة بالأطلس الكبير بعد سنة من الزلزال

في خضم وقوف مختلف المتدخلين لتقييم تدخلاتهم وجرد حصيلة المنجزات بعد مرور سنة على الزلزال الذي أسفر كما هو معلوم عن تدمير عدد كبير من المنازل والمباني، إذ تضرر حوالي 60 ألف منزل حسب دراسة نشرها مركز السياسات من أجل الجنوب الجديد؛ ناهيكم عن الضرر البالغ الذي لحق مختلف مظاهر الحياة الاجتماعية والأنشطة الاقتصادية بالمنطقة، التراثية والقيمية، أعلن رئيس الحكومة، عقب ترؤسه الاجتماع الـ 11 للجنة البين وزارية المكلفة ببرنامج إعادة البناء والتأهيل العام للمناطق المتضررة من زلزال الحوز، أنه من أصل 49.632 مسكنا ضمن أوراش البناء فقط «ألف أسرة تمكنت من إنهاء هذه العملية»، وأبرز أن التدخلات الميدانية المتعلقة بإزالة أنقاض المساكن المهدمة همت إجمالا 46.352 مسكنا، موضحا أنه يجري حاليا تطبيق حلول ميدانية ملائمة لفائدة “الحالات الصعبة”، ما يأتي ليؤكد ما أكدته وزيرة إعداد التراب الوطني والتعمير والإسكان وسياسة المدينة، التي أقرت بوجود صعوبات في إعادة إعمار المناطق المتضررة بسبب طبيعة المناطق التي ضربها الزلزال بصفتها مناطق جبلية.

أما في ما يخص الخسائر البشرية فقد خلف الزلزال كما هو معلوم، إضافة إلى ما يقدر بـ 3000 قتيل، أكثر من 4000 جريح. هذه الفئة من المصابين منها طبعا من أصيب بإعاقة دائمة، غير أنه لمقاربة هذه الإشكالية بشكل دقيق تواجه شحا كبيرا في بيانات المصابين بإعاقات نتيجة الزلزال، ما لا يسمح بوضع صورة واضحة ودقيقة للوضعية؛ فمع بداية الحدث أعلنت وزيرة التضامن والإدماج الاجتماعي والأسرة خلال جلسة الأسئلة الشفهية في مجلس المستشارين (07 نونبر2023) عن رصد أكثر من 500 حالة إعاقة مُترتبة على“الزلزال”، فيما أعلنت مؤسسة التعاون الوطني في أكتوبر 2023 أن زلزال الحوز تسبب في إعاقة 1613 شخصا؛ بينما تساءل الائتلاف المدني من اجل الجبل، الذي عقد ندوة صحافية شتنبر الجاري، خصصها لتسليط الضوء على الجهود المبذولة لدعم المتضررين وأشغال إعادة الإعمار التي أشار إلى أنها تسير بوتيرة بطيئة جدا، وتواجه تحديات كبيرة بسبب التضاريس الوعرة ونقص البنيات التحتية والمسالك، (تساءل) عن حالات الإعاقة أو العاهات المستديمة التي نتجت عن الزلزال، ما عددها؟ وما مصيرها؟ خاصة أن الزلزال لم يؤثر على الأشخاص في وضعية إعاقة بالمنطقة بشكل غير متناسب فحسب، بل خلف إعاقات جديدة.

وقد سبق أن طالبت منظمات الأشخاص في وضعية إعاقة منذ بدايات الكارثة بتدخل استعجالي للسلطات المحلية للقيام بإحصاء أولي للأسر الحاضنة للأشخاص في وضعية إعاقة، لمعرفة مدى استفادتها من الإعانات والخدمات المقدمة من السلطات العمومية والجمعيات.

وعلى صعيد الدعم المقدم للمتضررين إلى حد الساعة تجمع مكونات المجتمع المدني بالمنطقة على كونه غير كافٍ لتغطية احتياجات جميع المتضررين، لاسيما الأشخاص في وضعية إعاقة، مع الوعي المحدود باحتياجاتهم، والوصم الاجتماعي الراسخ، وعدم إمكانية الوصول في البنية التحتية أصلا، ما يؤدي إلى تفاقم التحديات التي واجهوها في حالة الطوارئ، حيث سجلت محدودية التدخلات المنجزة لفائدة هذه الفئة من المتضررين، التي قامت بها قلة من الجمعيات بدعم من بعض المنظمات الدولية؛ وقد ركزت جهودها في بدايتها على تقديم خدمات مباشرة للأشخاص في وضعية إعاقة بالمناطق المتضررة، من خلال تدخلات نوعية ومحددة تستهدف إعادة تأهيل المصابين الجدد حديثي العهد بالإعاقة، الذين استفادوا من خدمات ومواكبة طبية وشبه طبية في المرحلة الأولى. ومع مرور سنة كاملة على الحادث بلغ المتضررون الآن مرحلة أخرى تختلف احتياجاتهم فيها، وتتمثل في الحاجة الماسة على المدى المتوسط إلى مواكبتهم ومرافقتهم ودعمهم ماديا واجتماعيا ونفسيا، من خلال مرافقة اجتماعية مشخصنة يتم فيها تطوير خطة طوارئ شخصية بتحديد الاحتياجات من خلال فهم المتطلبات الفريدة للشخص، بما في ذلك أدوات المساعدة على الحركة والأجهزة المساعدة والأدوية، وهذه تتطلب خدمات قرب مستدامة ومرنة.

وهذ إلى جانب خطط على المدى المتوسط والبعيد ينبغي أن تعتمد تعبئة كافة الموارد المحلية في مجال تأهيل الأشخاص في وضعية إعاقة الذين يواجهون طبقات متعددة ومعقدة من العوائق البيئية والمجتمعية، وضمان إدراج الإعاقة في جهود إعادة الاعمار؛ وتشمل المأوى وتوفير الغذاء والنقل والصحة والمياه الآمنة وخدمات الصرف الصحي، وتمتيع الأشخاص في وضعية إعاقة من إمكانية الوصول المستمر إلى الخدمات العادية، بما في ذلك التعليم البديل والخدمات الصحية، والأجهزة التعويضية اللازمة لحالاتهم، إذ يجب أن يكون هناك عمل دائم للتعرف على الاحتياجات المتنوعة لهذه الفئة والاستجابة لها، فالأشخاص في وضعية إعاقة لديهم أنواع ودرجات مختلفة من الإعاقة. وقد تتقاطع الإعاقة أيضًا مع جوانب أخرى من الهوية (مثل الجنس والعمر والدخل) لتشكل وضعيات هشاشة.

كما يجب التعرف على مقدمي الرعاية للأشخاص في وضعية إعاقة بالمنطقة ودعمهم، سواء تعلق الأمر بالجمعيات المشتغلة على الموضوع بالمنطقة، أو الأسر الراعية، حيث يعتمد العديد من الأشخاص في وضعية إعاقة على الرعاية من أفراد الأسرة أو الأصدقاء أو المنظمات في مجتمعاتهم، خاصة أثناء حالات الطوارئ. وبعد التدخلات الاستعجالية وبدء عمليات إعادة تأهيل الأشخاص المصابين بالإعاقة جراء الحادث يجب دعم الأشخاص المشاركين في تقديم الرعاية وخدمات التأهيل من أجل مواصلتها. ويجب أيضًا مراعاة الطبيعة الجنسانية لأدوار مقدمي الرعاية غير الرسمية – فالنساء أكثر احتمالاً من الرجال لتولي هذا العمل.

هذا المخطط المتوسط والبعيد المدى يحتاج إلى تدارك النقص الحاصل في المعطيات الميدانية، فهناك حاجة إلى مزيد من البيانات لدعم الاستعداد للخدمات اللازمة والاستجابة لها. وينبغي أن تتضمن هذه البيانات بيانات كمية قابلة للمقارنة ومصنفة (حسب الإعاقة والجنس والعمر)، وبيانات نوعية خاصة بالسياق، الاحتياجات والقدرات والأولويات المتنوعة للأشخاص في اتجاه مرافقة اجتماعية مشخصنة تتصدى أيضا لقضايا الفقر والاستبعاد الاقتصادي، والعزلة التي تؤثر بشكل كبير على المستوى المعيشي للأشخاص، ودعم المجتمع المدني والعمل معه، وخاصة منظمات الأشخاص في وضعية إعاقة، لتحقيق التغيير المستدام.

ويجب تعزيز جهود تعديل الاتجاهات المجتمعية السلبية تجاه الإعاقة والأشخاص في وضعية إعاقة من خلال تعزيز التفهم القائم على حقوق الإنسان للإعاقة، ومكافحة الوصم المرتبط بالإعاقة، وتجنب الرسائل والصور السلبية أو النمطية التي يمكن أن تؤدي إلى تفاقم الوصم والإقصاء الاجتماعي، والانتباه إلى أنه قد تكون بعض المجموعات أكثر عرضة لخطر الوصم، مثل النساء والفتيات ذوات الإعاقة المعرفية أو النفسية الاجتماعية، مع التأكيد على التصدي للعوامل الاجتماعية والثقافية والبيئية التي تساهم في إعاقة الأشخاص، ومواجهة المفاهيم السائدة التي تضفي الطابع الطبي على الإعاقة، كما تضفي عليها طابعًا فرديًا، ما يعزز المقاربة الخيرية في التعاطي مع قضايا الإعاقة.

هذا ويعتبر إدراج الإعاقة في الاستجابة الإنسانية والطوارئ التحدي الوطني الكبير أمام تقديم العمل الإنساني العادل والاستجابة لحالات الطوارئ في هذا المجال بعد دروس زلزال الحسيمة والأطلس الكبير، فخلال الأزمات الإنسانية يظل الأشخاص في وضعية إعاقة من بين الأكثر احتياجًا إلى المساعدة، لأن ظروف الأزمة تؤدي إلى تفاقم عدم المساواة الاجتماعية، بالإضافة إلى فقدان المساعدة الإنسانية وعدم القدرة على الوصول إليها. وقد يواجه هؤلاء أيضًا خطرًا متزايدًا للعنف أو الاستغلال أو سوء المعاملة، وقد تصل معدلات الوفيات بين الأشخاص ذوي الإعاقة أثناء الأزمات إلى أربعة أضعاف المعدلات بين عامة السكان.

ويجمع المختصون على أن استمرار الطريقة التي يتم بها تصميم برامج المساعدة الإنسانية التقليدية وتقديمها قد تؤدي إلى تفاقم أوجه عدم المساواة ونقاط الضعف والمخاطر التي يعاني منها الأشخاص في وضعية إعاقة، فقد يؤدي نقص الوعي وقدرة التعامل مع الأشخاص في وضعية إعاقة لدى فرق الإغاثة مثلا إلى الاستبعاد غير المقصود لهذه الفئة.

وقد يتعذر الوصول إلى خدمات الطوارئ الحيوية، إذ إن الاحتياجات الإضافية للأشخاص في وضعية إعاقة لا يتم أخذها في الاعتبار في كثير من الأحيان أثناء مرحلتي التصميم والتنفيذ. ويمكن أن تشمل هذه الاحتياجات خدمات الصحة، والصرف الصحي، والنظافة، والمأوى، والغذاء، والمياه، والسلامة والأمن.

هذا ويبقى الرهان القائم حليا في السياق المحلي للمناطق التي ضربها الزلزال بالأطلس الكبير هو الحيلولة دون أن تصبح الخدمات الخاصة بالإعاقة مع مرور الوقت غير قابلة للوصول، أو يتم تقليلها، حيث شارفت التدخلات الاستعجالية للمجتمع المدني على نهايتها. وتشمل هذه الخدمات خدمات إعادة التأهيل، خاصة الترويض والمواكبة الطبية، وخدمات الأمراض المزمنة التي قد تساهم في قدرة الشخص على أداء وظائفه، والحصول على الأجهزة المساعدة (مثل الكراسي المتحركة، والأطراف الاصطناعية، والعكازات، وأدوات السمع، ومنتجات التغذية).

وأخيرا فإن بإمكان الجمعيات العاملة في مجال الإعاقة المساهمة في هذا الرهان من خلال المشاركة في الاستجابة الإنسانية وعملية التعافي وإعادة الإعمار، فعلى سبيل المثال بإمكان المنظمات المجتمعية للأشخاص في وضعية إعاقة تنفيذ عملية البرمجة الإنسانية في إطار دورها كجهات فاعلة أو بالتعاون مع الجهات الفاعلة الأخرى، والمساهمة في إزالة العوائق التي تحول دون الحصول على المساعدة الإنسانية والحماية، فالأشخاص في وضعية إعاقة هم أشد المدافعين فعالية عن خطط إزالة العوائق التي تحول دون وصولهم إلى الخدمات. وتعتمد العديد من الجهات الفاعلة في المجال الإنساني على هؤلاء المتخصصين في تعميم مراعاة الإعاقة لمعالجة العقبات الكائنة في البرامج، فمن الضروري أن تبني الجهات الفاعلة في الاستجابات الإنسانية في الطوارئ إستراتيجياتها ومواردها وخبراتها الخاصة بصورة تدريجية بالتعاون منظمات الأشخاص في وضعية إعاقة والمنظمات والجهات الفاعلة التي تركز على تعميم مراعاة الإعاقة في إطار قيمهم وثقافتهم التنظيمية، وجعل آليات التنسيق وحشد الموارد لتكون دامجة. ومن الممكن تنفيذ هذا الأمر من خلال فرق عمل مخصصة لذوي الإعاقة كجزء من آليات التنسيق الإنساني، وكذلك من خلال الأطر المؤثرة، كخطط الإغاثة الإنسانية والتمويل الجماعي.

وتظهر الممارسات أن المشاركة الفعالة تعد حجر الأساس الذي تقوم عليه عملية الإدماج، إذ ينبغي ألا تتناول الاستجابة الإنسانية الدامجة التي تتماشى مع اتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة التحديات التي تواجه الأشخاص ذوي الإعاقة ومعالجتها فحسب، وإنما ينبغي أن تفعل ذلك على نحو يسمح بمشاركتهم الفعالة في كافة مراحل الاستجابة أو دورة المشروع. كما أن الأشخاص ذوي الإعاقة ومنظمات الأشخاص في وضعية إعاقة يمكنهم الانخراط بفعالية في إدارة أثر الكوارث الإنسانية التي تضرب مجتمعاتهم.

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى

السابق رئيس الوزراء يتابع جهود دعم صناعة الدواء
التالى رئيس هيئة الاعتماد والرقابة الصحية يستعرض انجازات الهيئة خلال العام المالي 2023/2024