- مـقـالات
محمود عبد الباسط
محمود عبد الباسط
في ٢٥ مارس عام ١٩٦٤ انطلق بث إذاعة القرآن الكريم من القاهرة إلى مصر والعالم لكي تصدع بتلاوات أقطاب القراء في مصر والعالم العربي والإسلامي أمثال الشيخ محمد رفعت والشيخ محمود خليل الحصري والشيخ مصطفي اسماعيل والشيخ عبد الباسط عبد الصمد والشيخ محمد صديق المنشاوي والشيخ محمود علي البنا والعديد غيرهم فيما بعد ممن اعتمدوا كقراء بهذا الصرح الإذاعي الجليل.
ومنذ ذلك التاريخ وتعد إذاعة القرآن الكريم أول إذاعة متخصصة في العالم العربي والإسلامي، والتي كان من دواعي تدشينها ظهور نسخة محرفة من القرآن الكريم ومن ثم كان قرار تاسيسها بادرة نوعية حفاظا على القرآن الكريم مسموعا، حيث بدأت باذاعة اسطوانات الشيخ محمود خليل الحصري بعد جمعها، وبذلك كان هو الجمع الثاني للقرآن الكريم بعد جمعه مكتوبا في عهد سيدنا أبى بكر الصديق.
وبمناسبة مرور ٦٠ عاما على إذاعة القرآن الكريم، والتي لاقت انتشارا وجماهيرية منقطعة النظير في شتى أرجاء العالم، حيث باتت مرجعا لسماع القرآن الكريم بالقراءات المختلفة، وأصبحت منبرا ينصت إليه كل من يريد تعلم قراءة القرآن الكريم، حتى في الدول غير الناطقة بالعربية. ومن ثم صارت علامة بارزة لمصر شأنها شأن الكثير من الرموز والشخصيات الدينية والإعلامية والثقافية، بل نستطيع القول أنها صارت إحدى القوى الناعمة لمصر عالميا خاصة في عمق الدول الإفريقية، التي يشكل المسلمون بها نسبة كبيرة، والذين اتخذوها قبلة لاستقاء تعاليم الدين الإسلامي الوسطى المعتدل، باعتبارها تبث من بلد الأزهر الشريف أكبر وأعرق منارة إسلامية في العالم.
ولايمكننا أن نحصي مزايا إذاعة القرآن الكريم على المستوى المحلي والعالمي لمصر، ولكن من اللافت للنظر مؤخرا خلال السنوات القليلة الماضية هو حدوث تغيير في السياسة الإعلامية للإذاعة حيث تفتقت أذهان بعض القائمين عليها في السماح بإذاعة الإعلانات المدفوعة تحت غطاء أنها إعلانات ذات صبغة دينية مثل الإعلان عن جمع التبرعات لمساعدة المحتاجين ثم تطور الأمر للإعلان عن خدمات شركات سياحة وطيران أجنبية ومصرية لا علاقة لها بالغرض الذي أنشأت من أجله!!
ومن المعلوم للدارسين والباحثين بمجال الإعلان أنه حينما تفتح الوسيلة الإعلامية الباب للإعلان المدفوع فإن ذلك يجر وراءه عدة آفات أهمها تأثير الإعلان على محتوى الوسيلة، وبالتالي الأمر الذي يهدد ولاء الجمهور للوسيلة وانصرافه عنها حيث تفقد خصوصيتها التي تفردت بها، تماما مثل تغير شكل ولون وطعم المنتجات التي اعتادها المستهلكون لسنوات.
وبالطبع نحن لسنا ضد التطوير والتحديث ولكن لابد من الحفاظ على كينونة وهوية إذاعة القرآن الكريم التي لم تعد ملكا لجيل معين، بل لجميع الأجيال السابقة والحالية والقادمة. وبالتالي لابد من التعامل مع هذا الصرح الإذاعي العتيق بقدر من الحرص والحكمة بعيدا عن التشوه وتبديل الهوية التي اعتادها الجمهور بدخول الإعلانات المدفوعة قاطعة الجو النفسي الذي طالما اتسم بالوقار والخشوع.
وعلى الجانب الآخر نجد الأصوات تتعالى حفاظا على هوية الآثار المصرية حال التدخل لترميمها مثلما حدث مؤخرا مع أسدي كوبري قصر النيل وغيرها وهو أمر جيد بالطبع.
وما نرجوه هو إعادة النظر في ضرورة وقف إذاعة أي نوع من الإعلانات باذاعة القرآن الكريم لكي تظل محافظة على هويتها وجمهورها المترامي في عدة قارات من العالم.