تخفي أنشطة المرتزقة خلف ستار توزيع المساعدات.. مخطط «GDC» الإسرائيلية - الأمريكية في غزة

- «الأسبوع» تتتبع سجل الشركة.. والسجل التعريفي يثير الشكوك حول أنشطتها

- يقودها رجل الأعمال «مردخاي كاهانا» بمساعدة ضباط عسكريين وأمنيين

- تدير أعمالها من تكساس.. وتحاول الاستفادة من الفوضى في تحقيق الأرباح

- ستكون معنية بتنفيذ مخطط التهجير.. وتقسم القطاع لأكثر من 20 مربعًا مغلقًا

- هي وجه آخر لـ«بلاك ووتر» صاحبة الفضائح والانتهاكات بالعراق وسوريا

تتفاقم الأزمات الإنسانية في غزة بسبب تواصل العدوان الإسرائيلي غير المسبوق، خاصة في شمال القطاع، فيما تجهز شركة الأمن الأمريكية - الإسرائيلية "Global Delivery "Company مخططًا غامضًا لتقسيم المناطق المستهدفة إلى مربعات أمنية مغلقة، تشبه السجون المصغرة. وخلف شعارات تقديم المساعدات الإنسانية، ستكون شركة «GDC» أداة تنفيذ مخطط التهجير القسري وتطهير المناطق التي يحددها جيش الاحتلال في القطاع، بتنسيق مباشر بين الحكومتين الإسرائيلية والأمريكية.

حرصت «الأسبوع» على تتبع أنشطة شركة GDC»"، فكانت البداية من زيارة موقعها الإلكتروني للتعرف على ما تروجه عن نفسها وعن أنشطتها. ووفق النبذة التعريفية المقتضبة، تقول الشركة الأمريكية - الإسرائيلية: «هدفنا توفير الدعم والحلول اللوجستية للمنظمات غير الربحية والوكالات الحكومية أثناء الأزمات»، لكن الكثير من الشكوك تحوم حول نواياها الفعلية ودوافعها الحقيقية، لاسيما أنها تتخذ من العمل الإنساني شعارًا لتمرير أجندتها، ليس فقط ككيان تجاري، بل كجزء من الشبكة الأمنية التجارية الإسرائيلية حول العالم.

تعترف "GDC» بالمشاركة في إنشاء المناطق الآمنة، لكنها تكتفي بجملة واحدة فقط تؤكد عملها وتعاونها مع إسرائيل، دون تقديم تفاصيل إضافية أو حقيقية حول طبيعة العلاقة والأنشطة، علما بأنها شركة ربحية بالأساس، تحاول الاستفادة من مناطق الصراعات في توسيع نطاق أعمالها، واستغلال الأزمات في تعزيز مكانتها التجارية وأرباحها الكبيرة، مع تنفيذ ما يطلب منها من خطط، لا علاقة لها بالجهود الإغاثية.

لا تُظهر الشركة التزامًا حقيقيًا بمعالجة الكارثة التي يعانيها الشعب الشقيق. وبحسب المعلومات الرسمية، تمارس الشركة أنشطتها من مدينة هيوستن بولاية تكساس الأمريكية. وإلى جانب أنشطتها المتعددة، تقدم الخدمات الأمنية في مناطق الصراعات المعقدة، كتجاربها السابقة في سوريا وأفغانستان وأوكرانيا، وتنشط في إدارة عمليات الإجلاء للمتعاونين مع القوات وأجهزة الاستخبارات الأمريكية والإسرائيلية.

أنشطة غامضة:

الغموض نفسه يحيط بأنشطة شركة "GDC» في فلسطين، ويزداد القلق من الأنشطة المرتقبة لـ"GDC» في قطاع غزة، من كونها جزءًا من ظاهرة خصخصة أنشطة الأمن والدفاع، عبر اعتماد الحكومات الغربية، وعلى رأسها الولايات المتحدة وإسرائيل، على شركات خاصة لتنفيذ مهام كانت حكرًا على الجيوش النظامية، مثل «بلاك ووتر» و«دينكورب» التي لعبت أدوارًا مشبوهة في العراق وأفغانستان، بعدما تورطت في انتهاكات جسيمة، دون محاسبة في ضوء ما تتمتع به من نفوذ يتجاوز القانون الدولي. يأتي هذا في وقت يتجاوز فيه عدد شركات الأمن الخاصة التي تديرها جهات رسمية وشبه رسمية إسرائيلية الـ300 شركة، تعمل في حوالي 80 دولة.

تسعى إسرائيل لتطبيق نموذج جديد من الاستعمار يعتمد على الأمن الخاص، ويتجسد هذا المخطط في غزة من خلال شركة "GDC» بهدف إعادة توزيع سكان غزة بما يتوافق مع الرؤية الإسرائيلية، عبر تقسيم قطاع غزة إلى أكثر من 20 منطقة صغيرة ومعزولة، من أجل إضعاف المقاومة الفلسطينية، مع إدارة هذه المناطق بشكل منفصل، من خلال عزل المناطق المستهدفة وتأمينها بواسطة عناصر مسلحة من الشركة التي توظف مقاتلين من الوحدات الخاصة الأمريكية والبريطانية والأكراد.

تنسيق أمريكي:

قدمت شركة "GDC» خططها لوزارة الخارجية الأمريكية والبيت الأبيض، مشددة على حرصها على المصالح الإسرائيلية. وفي المقابل، فإن الإدارة الأمريكية استجابت سريعًا، نتيجة العلاقة التي تربط بين رئيس الشركة، مردخاي كاهانا، ومستشار الأمن القومي الأمريكي، جاك سوليفان، الذي ينسق تنفيذ الخطة مع إسرائيل، ويُروّج لها كحل أمني وإنساني بعد العمليات العسكرية.

تشير تسريبات المجلس الأمني الإسرائيلي إلى أن "GDC» ستنفذ الخطة التجريبية لتوزيع المساعدات الإنسانية في غزة، التي سيتم تقديمها فقط لمن يجتاز الفحوصات الأمنية باستخدام أدوات بيومترية (بصمة الإصبع أو قرنية العين) للتأكد من عدم ارتباطهم بالمقاومة، مع فرض إجراءات مشددة على الدخول والخروج إلى التقسيمات الجغرافية الجديدة، التي يُجرى التمهيد لها.

تسعى إسرائيل إلى فرض رقابة شاملة على حياة سكان غزة اليومية، مع إمكانية إطلاق النار على من يُعتبرون تهديدًا. هذا المخطط سيقوض جهود الإغاثة الدولية، ويمنع المنظمات الإنسانية من العمل بحرية في مناطق القطاع، مما سيزيد من عزلة الفلسطينيين ومعاناتهم، كما سيتم استغلال المخطط في تنفيذ عمليات أمنية لاستخلاص المعلومات، وخلق الصراعات بين العائلات والأسر الفلسطينية المتبقية، من أجل القضاء عليها نهائيًا، وفق الخطط طويلة الأجل، التي قدمها وزير الدفاع، يوآف جالانت، لإنشاء سلطة بديلة بعد الحرب في قطاع غزة.

شركة «كاهانا»:

يقف خلف شركة "GDC» رجل الأعمال الإسرائيلي - الأمريكي، مردخاي كاهانا، المعروف بأنشطته المشبوهة في مناطق الصراعات. وسبق لكاهانا أن تورط في مشاريع مثيرة للجدل في سوريا، حيث استغل الأوضاع لتحقيق مكاسب اقتصادية وسياسية تحت غطاء العمل الإنساني. ويتمتع كاهانا بعلاقات وثيقة مع دوائر القرار في إسرائيل والولايات المتحدة، مما يجعل أنشطته ذات طابع استخباراتي.

تجربة «كاهانا» تؤكد أن الشركات الأمنية لا تعمل بمعزل عن شبكات النفوذ السياسي والعسكري، بل تستغل الفوضى في مناطق النزاع لتحقيق أهداف عدة. ومن المؤشرات التي توحي بأن « "GDC" مجرد وكيل للحكومتين الإسرائيلية والأمريكية، أن فريق العمل الذي يساعده في إدارة الشركة، ضباط مخابرات إسرائيليون، منهم يوسي كوبرواسر، وديفيد تسور، وضابط القوات الخاصة المتقاعد، جاستن ساب، وخبيرة تطوير برمجيات الأمن السيبراني، كارلين وونج، وغيرهم، منذ تأسيس الشركة في يونيو 2017.

هؤلاء ليسوا مجرد موظفين، بل يمثلون جزءًا من آلة عسكرية تهدف إلى تأمين الاحتلال وتحقيق السيطرة الدائمة على الأرض. أما «كاهانا» المولود في 28 فبراير 1968، فقد كان محسوبًا على القوات الجوية الإسرائيلية، وخلالها تم تدريبه وتأهيله لمسيرته المهنية اللاحقة، قبل انتقاله إلى الولايات المتحدة الأمريكية. لكن نقطة التحول الرئيسية في حياة «كاهانا» حدثت عام 1994، عندما كان يدرس في جامعة أريزونا، حيث انتقل فجأة إلى عالم ريادة الأعمال.

انخرط كاهانا، منذ عام 2011، في أنشطة مثيرة للشبهات، تحت الغطاء الإنساني والحقوقي في منطقة الشرق الأوسط، كسوريا، ويتردد أن الأنشطة كانت بغرض تجنيد عناصر من اللاجئين وتوجيههم للعمل ضد دولتهم، بالتعاون مع رجال أعمال إسرائيليين ويهود أمريكيين، مع عمليات سرية أخرى تشمل نهب التراث في مناطق النزاعات، فيما تكفلت حملات علاقات عامة بتحسين صورته والترويج لدوره الإنساني في مناطق النزاعات.

تهديد الجوار:

عند المقارنة بين نشاطات "GDC» وممارسات شركات مثل بلاك ووتر، تتداخل الأنشطة العسكرية بشكل مقلق مع الجوانب الإنسانية، ليس فقط فيما يتعلق بتوظيف المساعدات الإنسانية الحقيقية في ابتلاع الأراضي الفلسطينية، لكن في تهديد الأمن الإقليمي لدول الجوار. فهي كغيرها من الشركات الأمنية - العسكرية، مجرد قوات «مرتزقة» حتى وإن كانت الأمم المتحدة تعرفها بـ«كيانات قانونية تقدم خدمات عسكرية وأمنية مقابل مادي".

وعانت بعض دول الجوار من ظاهرة شركات المقاولات الدفاعية مثل بلاك ووتر (التي غيرت اسمها لاحقًا إلى أكاديمي) التي تدّعي أنها تقدم الحلول الأمنية، لكنها تتورط في جرائم وانتهاكات، كإطلاق النار بشكل مباشر على التجمعات

المدنية واستخدام القوة المفرطة، من خلال عناصرها المسلحة التي تعمل بدون رقابة. ولم تقتصر هذه الممارسات الدموية على بلاك ووتر في العراق، بل قامت بها شركات أخرى في اليمن وليبيا وأفغانستان، وهو ما يتوقع تكراره من شركة "GDC» في قطاع غزة.

تتعدد أدوار ومهام شركات الأمن الخاصة، مثل تنفيذ العمليات القتالية، وإدارة وحماية القواعد والعقود العسكرية، وتقديم خدمات التدريب، وإعادة هيكلة الأجهزة الأمنية، وإدارة السجون التي تخضع للإشراف العسكري. كما تنفذ هذه الشركات تحقيقات مع المشتبه بهم، وتقوم بعمليات المراقبة والاستطلاع، والتدخل للسيطرة على المظاهرات وأعمال الشغب في الدول المضطربة. كذلك، تقوم بأنشطة جمع المعلومات العسكرية وتحليلها، وإدارة الحروب الإلكترونية، نتيجة التحول الكبير في طبيعة الصراعات.

يُقدَّر حجم سوق الشركات الأمنية الخاصة بحوالي 400 مليار دولار سنويًا، مع زيادة الطلب على خدماتها، التي تشمل تقييم المخاطر، وتقديم الاستشارات الأمنية، وحماية القيادات. لكن تظل الأنظار مشدودة إلى ما ستقوم به GDC» " في غزة، حيث يكمن التحدي الحقيقي في كيفية تعامل المجتمع الدولي مع هذه الظاهرة التي تحجب الحقيقة خلف شعارات إنسانية، بينما تسعى في الواقع لتدمير المجتمع الفلسطيني، من خلال استغلال المعاناة الإنسانية لأغراض سياسية أو عسكرية.

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى

السابق حالة الطقس اليوم الأربعاء ودرجات الحرارة المتوقعة في مصر
التالى «هنبيعلك شاليه في الساحل».. ضبط تشكيل عصابي تخصص في النصب على المواطنين بالقاهرة