الخيميائى وطاقة الشر (٣)

الخيميائى وطاقة الشر (٣)
الخيميائى وطاقة الشر (٣)

أوراق مسافرة

الثلاثاء 17/سبتمبر/2024 - 07:56 م 9/17/2024 7:56:37 PM

أعداء غرباء عنا داخل مجتمعنا، أعداء من دمنا ولحمنا ورحمنا، هؤلاء وهؤلاء يضعونا فى حروب نحن فى غنى عنها، يجبرونا أن ننزل ميادين حروب صنعوها لنا لنبحث عن اسلحة دفاعية تحمينا شرورهم وغدرهم، نفقد فى هذه الحروب الكثير من وقتنا، طاقتنا، اعصابنا، واقسى الحروب كما أشرت سابقا حروب اقرب الناس لنا، قد يكون لهم أسبابهم الخفية وقد تكون بدوافع من أمراض نفسية لا نعلم اسرارها، وكل هذه الحروب تنتهى آجلا أم عاجلا بخسائر للمنتصر والمغلوب معا، ولكن هناك حرب لا تنتهى أبدا إلا بموت الإنسان شخصيا، وهى الحرب الأشد ضراوة لانها نابعة من نفسه وملازمة له كظله، إنها حرب الخوف.
والخوف شعور فطرى لدى الإنسان، لكن له معدله الطبيعى، وإذا زاد عن هذا المعدل تحول إلى مرض يلازم الإنسان، يربك حياته، يشوش رؤيته وتقييمه للأشياء، يجعله يعادى من حوله بلا مبرر، يتخبط فى الحياة شاهرا كل أسلحته المتاحة و المفترضة ليحارب كل من حوله، لاعتقاده أن الجميع أعداءه يريدون له الشر والأذية.
و يتكون هذا الخوف لدى الإنسان منذ طفولته بسبب ظروف تربيته وبيئته، أو أنه داخل اسرته كان يتعرض للتخويف من أشياء مرئية أو مجهولة، أو كان يتعرض لإيذاء بدنى ما ليلتزم الطاعة والهدوء، فينشأ هذا الشخص خائف من الناس ومن لا شىء، فى المدرسة يخاف من الرسوب والفشل، فيلجأ للغش لينجح، يؤذى المتفوقين من زملائه لشعوره بالخوف من تفوقهم عليه، ويتمدد هذا الخوف فى باقى مسار حياته، فى العمل سيخاف أن يسرق زملائه مكانه فيعاديهم ويكيد لهم ويلتزم كل طرق النفاق والتحايل ليتقدم عنهم ولو على حساب من هم أحق منه بخبرتهم وقدراتهم، خوفه سيجعله يرى أن أمنه فى إرهاب الآخرين، سعادته فى أحزان الآخرين، ثراءه فى فقر الآخرين، حتى فى زواجه، سيعتبر زوجته عدوة له وسيحول علاقته بها إلى حرب وعداء متواصل ليس به ود أو تفاهم، وسيرى دوما أن الهجوم عليها أفضل وسيلة لحماية نفسه حتى لو كانت الزوجة لطيفة مسالمة ليس لها فى تلك الحروب التى يصنعها. خوفه من الفقر سيجعله يسرق، يرتشى ويفعل كل الموبقات معتقدا أنه يؤمن حياته من الفقر، خوفه من المرض سيجعله يتناول أدوية لا تخصه معتقدا أنه يحمى نفسه، ليجد نفسه فى النهاية مريضا بالفعل بسبب تناوله أدوية ليست له.
لذا يشدد كل علماء النفس على أن طفولة الإنسان هى التى تصنع له مستقبله، حتى لو أدرك الإنسان بنفسه تلك المؤثرات السلبية التى تعرض لها فى صغره وحاول أن ينقذ نفسه من آثارها فى المستقبل، إلا أنه لا ينجو تماما من تلك الآثار مهما حاول، فالطفولة كالعجين يشكلها الآباء والمجتمع المحيط به، تجف العجينة على ما تشكلت عليه مع الأيام، وأى محاولة للتعديل والتبديل فيها يحطم ويهدم من نفسية الطفل ويؤثر على بناءه السيكولوجى مهما كانت تلك المحاولات تلتزم الدقة والحذر فى العلاج والتعديل، يعترف مؤلف كتاب «الخيمائى» وهو البرازيلى الاصل «باولو كويلو» أن طفولته كانت صعبة جدا حيث نشأ فى أسرة كاثوليكية ملتزمة، محظوراتها أكثر من المسموح به فى عهده، فتمرد تمردا مبكرا على التقاليد المغلقة، لدرجة دفعت بوالديه لوضعه فى مصحة عقلية فى مطلع مرحلة الشباب، وحين أبدى لهم تخليه عن التمرد تم إخراجه وإلزامه بدخول كلية الحقوق، لأن والده أراد ذلك وكأنه يحقق أحلامه فى ولده ليضمن عدم عودته للتمرد، فدراسة القانون التزام وسير على خط محدد لا خروج عنه، خاصة وأن باولو أعرب عن رغبته فى دخول عالم الكتابة التى رأى فيها متنفسا له ليسكب ويرسم على الورق أحلاما صادرها مجتمعه الصغير، وقوبل هذا بالرفض الهائل من والديه، فقرر باولو كسر كل قوالب الالتزام وخوفه من والديه ومما رآه قوالب تقاليد مقيتة، فبدأ بدافع الخوف على نفسه فى تدمير كل أحلام والديه فيه وقد تولدت بداخلة طاقة شر بفعل هذا الخوف، فترك كلية الحقوق، وانطلق فى رحلة طويلة إلى أمريكا الجنوبية، وأمريكا الشمالية، وأوروبا، حيث انضم إلى جماعة الهيبيز، وعاش حياة التشرد والحرية وتعاطى المخدرات، ثم عاد إلى منزل عائلته بعد بضعة سنوات وكأنه يريد أن يشهدهم على كل التمرد والتحدى الذى فعله ليتخلص من تأثيرهم عليه ومخاوفه منهم، وبدأ أمامهم فى تأليف أغانى الروك والبوب بالتعاون مع كاتب برتزيلى معروف، وتخبطه فى حياة التمرد على خوفه جعله يناهض نظام الحكم حتى تم سجنه عام 1974م بتهمة ممارسة أنشطة مناهضة للحكومة البرازيلية. وللحديث بقية.
[email protected]

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى

السابق إعلام إسرائيلي: مقتل جندي بالجليل الأعلى إثر إطلاق قذيفتين من جنوب لبنان
التالى اعتقال مواطن إسرائيلي أقام اتصالات مع جهات استخباراتية إيرانية لاغتيال نتنياهو